رحلة إلى الموت


A journey to death

بعد أن توفيت امه كانت معاملة والده له معاملة قاسيه للغاية ؛
يعمل في الأرض ثم يحمل المياه للمنزل و ينام  اغلب الأيام في المقبرة خوفا من الضرب المبرح الذي كان ينهال على جسده ليلا ونهارا
لم يشفع له سنه الصغير ولا يتمه ولا حتى بروده الجو ليلا أو حرارة الشمس المحرقة نهار ؛ 
لم يشفع له شيء من ذلك أمام قساوة ابيه وخالته نحوه

لم يستطع اكمال دراسته رغم تفوقه ؛ وكيف له أن يكملها بدون متطلباتها ؛ بل ابسط متطلباتها
القساوة والضرب المبرح واليتم والبرد والقهر لم يتركا له فرصة للبقاء في منطقته ..
لم يشعر يوما بالحنين والحب ؛إلا للحضن الذي لم يعد متاحا له إلا بحديث النفس والأحلام التي لم تكتمل ..
لا أحد يسأل عنه إلا قبر والدته الذي كان ينام بجواره بعد مطارداته من أبيه ورعبه من الكلاب الليلية..

لا شيء يستحق البقاء سوى مزيد من القهر والذل والضرب والبكاء ..


وذات ليلة مرعبة ودموية قرر الرحيل إلى المجهول الذي لم يعرفه بعد
خاطب نفسه بهمسات خفية ، وهو يخشى أن تتنصت روحه المتعبة عليه لتبوح لأبيه بما أضمره نحو نفسه و روحه المتعبة..
سأغادر ولن أعود
سوف اغادر ..
ما الجريمة التي ارتكبتها لتكون حياتي هكذا وبهذه القسوة والمواجع..
أنا لست مذنباً .. 
نعم ..انا لست مذنباً .. ولم يكن لي خيار المجيء إلى الدنيا أصلا..
أنا لم أختر أبي ولم اختر قريتي ولم أختر خالتي ولم يكن لي خيار حتى في نفسي ..!


لماذا يالله لا تتدخل في هذه الأمور وتحلها بدلا مني وأنت الذي خلقتني وخلقت أبي..
لماذا لا تجعل خالتي تعاملني مثل أولادها وانا أجلب لها الماء من السد بدلا منهم ، وأخدمها في كل شيء تريده !
لماذا يالله أولاد الجيران أحسن مني ، ولا يضربهم آباءهم ولا يتركونهم ينامون بالمقبرة مثلي بدون فراش ودفاء ..
طيب.. لماذا اولاد خالتي أحسن مني وهم لا يعملون شيء !؟

لماذا خلقتي ..لماذا؟!
لما لاتضع حداً لأوجاعي ومتاعبي وآلامي المستمرة وأنت تعرف أنني بلا ذنب ولم أرتكب أي جريمة !؟
أنت خلقتي وتعرف أنني اتعذب واتوجع بلا ذنب ارتكبته ..


لما تركتيني يا أمي وحدي ورحلتي ؟!
لو كنتي أخذتيني معك كان أفضل من بقائي هنا للضرب والإهانات المستمرة ..
يقولها وهو يجهش بالبكاء فوق قبر امه ليلاً والدموع تختلط بالدماء المنسكبة من أنفه وشفتيه..!
وحين هجم البرد القارس على جسده المنهك من الضرب والخوف والأوجاع والجراح ..نام فوق القبر وبقيت تنهداته تجهش بالبكاء حتى مطلع الفجر..

وقبل طلوع الشمس لملم ما تبقى من جسد وروحه الموهونة ورحل ..
غادر المنطقة بحثا عن عمل يعينه على الاستمرار بالحياة ؛ بعد حرمانه من الحياة على يد من تسبب بإخراجه إلى الحياة بلا حياة .
غادر منطقته بوجعه وبؤسه واقدامه الحافيه وثيابه الممزقة ؛
غادر الضرب والقهر والوحشة والوحشية والتوحش .. واتجه نحو المجهول الذي ينتظره بفارغ الصبر ..

لم يكن يخشى شيء ..
فما سيلاقيه  ليس أقسى من اليتم والتشرد والضرب المبرح والنوم في المقابر والازدراء والقلق من رويته مبتسما وشبعانا ونظيفا !!
قطع الفيافي القفار مشيا بأقدامه الحافية التي أخذت من كل أرض علامة ووضعت في ماكن أثر .!
اقدامه الحافية التي تتكون من الشوك والحجارة والدبابيس وكل انواع الأذى !

لم يرحل بمفرده .. بل رحل ومعه علامات محفورة في جسده من الكي والعصي وأعقاب السجائر التي كانت ملازمة له باستمرار ؛ 
كل ما فيه من ندبات وجروح  وأخاديد تذكره بأن قساوة الرحلة إلى الموت أهون من قساوة البقاء تحت رحمة الموت !







تعليقات

  1. عظيم انت يا أستاذ فؤاد! أفكارك كلها رائعة!😍

    ردحذف
    الردود
    1. سلامي لنبضات قلبك الجميلة وروحك العطرة
      اشكرك.. ودمت بكل بخير ياغالي

      حذف