انتظار

Waiting

Waiting

لم ينم ليلته ؛ وظل يرقب إطلالتها من النافذة ، وخروجها إلى الشرفة كالمعتادلكنها لم تخرج هذه الليل ؛ ولن تخرج لعدة أيام !!

ساوره القلق ..
وتسلل إليه الاكتئاب..
رجع إلى غرفته واستلقى على سريره معكر المزاج متقلب الأفكار ومضطرب الحال !!
كان يشعر أن السرير لم يكن يتقبله كباقي الأيام بشوق بعد قضاء ليلة ممتعة يحلم بما يجول في خاطرة من مواقف ولحظات جميلة !
ومع زقزقة العصافير وإشراقة الصباح ؛ نهض من سريره وغسل وجهه ؛ ثم توجه إلى جوار منزلها وانتظر تحت النافذة يرقبها ؛ أو يرقب لعله يسمع صوتاً أو يلمح شيئاً .. 
وما أن  دخل وقت الظهر ؛ كان يشعر بحرارة الشمس  المحرقة تلفح وجهه وتخترق رأسه ؛ فاتجه إلى مدرج العمارة وصعد صوب الشقة التي تسكنها ..
تكتظ العمارة بالساكنين ؛ والحركة فيها لا تتوقف ذهاباً وإياباً ..
لم يجرؤ على طرق بابها ؛ فهو لم يسبق له أن  قام  بذلك ؛ ولم يتعرف عليها جيداً حتى يقوم بذلك:
لكنه لم يتحمل الانتظار أيضاً
 وظل يتجول ذهاباً وإياباً ، لا يهتم للخارجين أو الداخلين الذين يمرون من جواره ؛ ولا حتى قهقهات الفتيات الجميلات اللاتي يترنحن وهن يصعدن السلم :
في المنطقة المجاورة عجوز تتجاوز 70 عاما ؛ تمشي منهكة الجسم وبالكاد تخطو خطواتها المثقلة بالأوجاع والمعاناة والفقر
ما تتقاضاه من الضمان الاجتماعي لا يفي بالأدوية التي تستخدمها لضيق التنفس أو مراهم التدليك وحبوب السيولة لزوجها الذي اصيب بجلطة دماغية شلت كل جسمه حيث كان يعمل مديرا في شركة مرموقة ؛ وأصبح طريح الفراش منذ 9 سنوات ..
هما الآن في رعاية ابنتهما التي لم تكمل دراستها الجامعية ؛
كان طموحها أن تكمل دراسة الطب، وتصبح جراحة ماهرة في القلب ؛ لكن الأقدار جعلتها تلجأ للتعاقد مع مراكز التصميم والخياطة لتنفق على نفسها ووالديها وتشتري الأدوية وتسدد ايجار الشقة التي يسكنون بها ؛
أصبح همها الآن أن يمر الشهر بسلام مع صاحب الشقة ..
الشركة الذي ذاع صيتها بكفاءة والدها وتعبه وتفانيه فيها لأربعين عاماً ؛ اكتفت بمنحهم بعض المال الذي لم يغطي تكاليف المستشفى
لا يوجد من يطالب بحقوقه المالية ونسبته في الشركة ؛ ولا قدرة لهم على عمل شيء الان ..
المحامي الذي كان يترافع  واحرز تقدماً قد توقف ؛ لأنهم لم يسددوا له شيئا..
أهل الحي الذي يقطنون فيه منذ كان والدها مرموقا ومسؤولا في الشركة ويستقبل الزيارات ويتلقى التحايا والاهتمام والتقرب .. لم يعد الآن يكترث لهم ولمعاناتهم ولم يعد يبالي بهم اطلاقا
كانوا كرماء كثيراً بأهل الحي
لكن أهل الحي لم يبادلوهم الجميل ؛ بل تركوهم يبيعون المنزل  بثمن بخس بعد وفاة أخيها بخمسة أشهر ؛
انقلبت حافلة الكلية وهم في طريقهم للعودة من رحلة بحثية لإتمام حفل التخرج ؛
وبعد غيابه الطويل عن والديه واخته الوحيدة التي يحبها كثيرا ويتفقدها باستمرار.. كانت عودة إلى المنزل جثه هامدة في تابوت
حالهم الان تتغير من اسرة رجل عظيم وشخص مرموق  يخدم المجتمع ، و في منزل واسع و فاره يستقبل الناس ويغدق على البسطاء بالعطايا؛ إلى اسرة مسكينة تطلب رحمة وعطف المؤجر الذي كان يعيش ويقتات من عطاياهم وكرمهم يوماً ما..
شعر بالجوع ؛ ثم نظر إلى ساعته فإذا هي الثالثة والنصف عصرا ؛ ادخل يده في جيبه ليتفقد مفاتيح شقته ؛ ونزل سلم العمارة مسرعاً بجنون
لقد نسي باب شقته مفتوحاً وترك المفاتيح على مقبض الباب ..
يتبع

Waiting

You life  أنت الحياة

تعليقات